فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرض}.
وقرأ حمزة والكسائي وابن كثير {قال كَمْ} والمخاطب ملك يسألهم أو بعض أهل النار، فلذا قال عبر عن القوم.
وقرأ باقي السبعة {قال}.
والقائل الله تعالى أو المأمور بسؤالهم من الملائكة.
وقال الزمخشري: قال في مصاحف أهل الكوفة و{قُلْ} في مصاحف أهل الحرمين والبصرة والشام.
وقال ابن عطية: وفي المصاحف قال فيهما إلاّ في مصحف الكوفة فإن فيه {قُلْ} بغير ألف، وتقدم إدغام باب لبثت في البقرة سألهم سؤال توقيف على المدة.
وقرأ الجمهور {عَدَدَ سِنِينَ} على الإضافة و{كَمْ} في موضع نصب على ظرف الزمان وتمييزها عدد.
وقرأ الأعمش والمفضل عن عاصم {عددًا} بالتنوين.
فقال أبو الفضل الرازي صاحب كتاب اللوامح {سِنِينَ} نصب على الظرف والعدد مصدر أقيم مقام الأسم فهو نعت مقدم على المنعوت، ويجوز أن يكون معنى {لَّبِثْتُمْ} عددتم فيكون نصب عددًا على المصدر و{سِنِينَ} بدل منه انتهى.
وكون {لَّبِثْتُمْ} بمعنى عددتم بعيد.
ولما سئلوا عن المدة التي أقاموا فيها في الأرض ويعني في الحياة الدنيا قاله الطبري وتبعه الزمخشري فنسوا الفرط هول العذاب حتى قالوا {يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} أجابوا بقولهم {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} ترددوا فيما لبثوا قاله ابن عباس.
وقيل: أريد بقوله: {فِى الأرض} في جوف التراب أمواتًا وهذا قول جمهور المتأولين.
قال ابن عطية: وهذا هو الأصوب من حيث أنكروا البعث، وكانوا قولهم أنهم لا يقومون من التراب قيل لهم لما قاموا {كَمْ لَبِثْتُمْ} وقوله آخرًا {وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ} يقتضي ما قلناه انتهى.
{فَاسْأَلِ العادين} خطاب للذي سألهم.
قال مجاهد: {العادين} الملائكة أي هم الذين يحفظون أعمال بني آدم ويحصون عليهم ساعاتهم.
وقال قتادة: أهل الحساب، والظاهر أنهم من يتصف بهذه الصفة ملائكة أو غيرهم لأن النائم والميت لا يعد فيتقدر له الزمان.
وقال الزمخشري: والمعنى لا نعرف من عدد تلك السنين إلاّ أنا نستقله ونحسبه يومًا أو بعض يوم لما نحن فيه من العذاب، وما فينا أن يعدكم بفي فسئل من فيه أن يعد ومن يقدر أن يلقي إليه فكره انتهى.
وقرأ الحسن والكسائي في رواية {العادين} بتخفيف الدال أي الظلمة فإنهم يقولون كما تقول.
قال ابن خالويه: ولغة أخرى العاديين يعني بياء مشددة جمع عادي يعني للقدماء.
وقال الزمخشري: وقرئ العاديين أي القدماء المعمرين فإنهم يستقصرونها فيكف بمن دونهم.
وقرأ الأخوان {قُلْ إِنْ لَّبِثْتُمْ} على الأمر، وباقي السبعة و{ءانٍ} نافية أي ما {لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلًا} أي قريب ولكنكم كذبتم به إذ كنتم لا تعلمون أي لم ترغبوا في العلم والهدى. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قَالَ} أي الله عز وجلَّ أو المَلَكُ المأمور بذلك تذكيرًا لِما لبثُوا فيما سألُوا الرُّجوعَ إليه من الدُّنيا بعد التَّنبيهِ على استحالتِه بقولِه: اخسؤُا فيها الخ. وقرئ قُل، على الأمرِ للمَلَكِ {كَمْ لَبِثْتُمْ في الأرض} التي تدْعُون أنْ ترجِعوا إليها {عَدَدَ سِنِينَ} تمييزٌ لكَمْ.
{قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} استقصارًا لمدَّةِ لبثهم فيها {فَاسْأَلِ العادين} أي المتمكِّنينِ من العدِّ فإنَّا بما دهمَنا من العذاب بمعزلٍ من ذلك، أو الملائكةَ العادِّين لأعمار العبادِ وأعمالِهم. وقرئ {العادِين} بالتَّخفيفِ، أي المُتعدِّين فإنَّهم أيضًا يقولُون ما نقولُ كأنَّهم الأتباعُ يُسمُّون الرُّؤساءَ بذلك لظُلمهم إيَّاهم بإضلالِهم. وقرئ {العَاديينَ} أي القدماءَ المُعمِّرين فإنَّهم أيضًا يستقصرُون مدَّة لبثِهم.
{قَالَ} أي الله تعالى أو المَلَكُ. وقرئ {قُل} كما سبق {إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلًا} تصديقًا لَهُم في ذلك {لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} أي تعلمُون شيئًا أو لو كنتُم من أهلِ العلمِ والجوابُ محذوفٌ ثقةً بدلالة ما سبقَ عليه أي لعلمتُم يومئذٍ قلَّةَ لبثِكم فيها كما علمتُم اليومَ ولعلمتُم بموجبِه ولم تُخلِدوا إليها. اهـ.

.قال الألوسي:

{قَالَ} الله تعالى شأنه أو الملك المأمور بذلك لا بعض رؤساء أهل النار كما قيل تذكرًا لما لبثوا فيما سألوا الرجعة إليه من الدنيا بعد التنبيه على استحالته وفيه توبيخ على إنكارهم الآخرة، وقرأ حمزة والكسائي وابن كثير {قُلْ} على الأمر للملك لا لبعض الرؤساء كما قيل ولا لجميع الكفار على إقامة الواحد مقام الجماعة كما زعمه الثعالبي {كَمْ لَبِثْتُمْ في الأرض} التي تدعون أن ترجعوا إليها أي كم أقمتم فيها أحياء {عَدَدَ سِنِينَ} تمييز لكم وهي ظرف زمان للبثتم، وقال: أبو البقاء {عَدَدًا} بدل من {كَمْ}، وقرأ الأعمش والمفضل عن عاصم {عَدَدًا} بالتنوين فقال أبو الفضل الرازي {سِنِينَ} نصب على الظرف {وعددًا} مصدر أقيم مقام الاسم فهو نعت مقدم على المنعوت، وتجويز أن يكون معنى {إِن لَّبِثْتُمْ} عددتم بعيد، وقال أبو البقاء: {سِنِينَ} على هذه القراءة بدل من {عَدَدًا}.
{قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} استقصارًا لمدة لبثهم بالنسبة إلى ما تحققوه من طول زمان خلودهم في النار، وقيل: استقصروها لأنها كانت أيام سرورهم بالنسبة إلى ما هم فيه وأيام السرور قصار، وقيل: لأنها كانت منقضية والمنقضى لا يعتني بشأنه فلا يدري مقداره طولًا وقصرًا فيظن أنه كان قصيرًا {فَاسْأَلِ العادين} أي المتمكنين من العد فإنا بما دهمنا من العذاب بمعزل من ذلك أو الملائكة العادين لأعمار العباد وأعمالهم على ما رواه جماعة عن مجاهد.
وقرأ الحسن والكسائي في رواية {العادين} بتخفيف الدال أي الظلمة فإنهم يقولون كما نقول كان الأتباع يسمون الرؤساء بذلك لظلمهم إياهم بإضلالهم.
وقرىء {العاديين} بتشديد الياء جمع عادي نسبة إلى قوم عاد والمراد بهم المعمرون لأن قوم عاد كانوا يعمرون كثيرًا أي فاسئل القدماء المعمرين فإنهم أيضًا يستقصرون مدة ليثهم.
{قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114)}.
{قَالَ} أي الله تعالى أو الملك.
وقرأ الأخوان {قُلْ} على الأمر كما قرآ فيما مر كذلك.
وفي الدر المصون الفعلان في مصاحف الكوفة بغير ألف وبألف في مصاحف مكة والمدينة والشام والبصرة، ونقل مثله عن ابن عطية، وفي الكشاف عكس ذلك وكأن الرسم بدون ألف يحتمل حذفها من الماضي على خلاف القياس وفي رسم المصحف من الغرائب ما لا يخفى فلا تغفل.
{إِن لَّبِثْتُمْ} أي ما لبثتم {إِلاَّ قَلِيلًا} تصديق لهم في مقالتهم {لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} أي تعلمون شيئًا أو لو كنتم من أهل العلم، و{لَوْ} شرطية وجوابها محذوف ثقة بدلالة الكلام عليه أي لو كنتم تعلمون لعلمتم يومئذٍ قصر أيام الدنيا كما علمتم اليوم ولعملتم بموجب ذلك ولم يصدر منكم ما أوجب خلودكم في النار وقولنا لكم: {اخسئوا فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ} [المؤمنون: 108] وقيل المعنى لو كنتم تعلمون قلة لبثكم في الدنيا بالنسبة للآخرة ما اغتررتم بها وعصيتم، وكأن نفي العلم بذلك عنهم على هذا لعدم عملهم بموجبه ومن لم يعمل بعلمه فهو والجاهل سواء.
وقدر أبو البقاء الجواب لما أجبتم بهذه المدة، ولعله يجعل الكلام السابق ردًا عليهم لا تصديقًا وإلا لا يصح هذا التقدير، وجوز أن تكون {لَوْ} للتمني فلا تحتاج لجواب، ولا ينبغي أن تجعل وصلية لأنها بدون الواو نادرة أو غير موجودة، هذا وقال غير واحد من المفسرين: المراد سؤالهم عن مدة لبثهم في القبور حيث أنهم كانوا يزعمون أنهم بعد الموت يصيرون ترابًا ولا يقومون من قبورهم أبدًا.
وزعم ابن عطية أن هذا هو الأصوب وأن قوله سبحانه فيما بعد: {وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115] يقتضيه وفيه منع ظاهر، ويؤيد ما ذهبنا إليه ما روي مرفوعًا «أن الله تعالى إذا أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار قال: يا أهل الجنة كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يومًا أو بعض يوم قال: لنعم ما أنجزتم في يوم أو بعض يوم رحمتي ورضواني وجنتي امكثوا فيها خالدين مخلدين ثم يقول: يا أهل النار كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يومًا أو بعض يوم فيقول بئسما أنجزتم في يوم أو بعض يوم ناري وسخطي امكثوا فيها خالدين مخلدين». اهـ.

.قال الشنقيطي:

{قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرض عَدَدَ سِنِينَ (112)}.
في هذه الآية سؤال معروف: وهو أنهم لما سئلوا يوم القيامة عن قدر مدة لبثهم في الأرض في الدنيا أجابوا بأنهم لبثوا يومًا أو بعض يوم، مع أنه قد دلت آيات أخر على أنهم أجابوا بغير هذا الجواب كقوله تعالى: {يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْرًا} [طه: 103] والعشر أكثر من يوم أو بعضه، وكقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يُقْسِمُ المجرمون مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم: 55] والساعة: أقل من يوم أو بعضه، وقوله: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يلبثوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات: 46] وقوله: {كَأَن لَّمْ يلبثوا إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النهار يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} [يونس: 45] وقوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يلبثوا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الفاسقون} [الأحقاف: 35].
وقد بينا الجواب عن هذا السؤال في كتابنا: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب في الكلام على هذه الآية بما حاصله: أن بعضهم يقول لبثنا يومًا أو بعض يوم، ويقول بعض آخر منهم: لبثنا ساعة ويقول بعض الآخر منهم: لبثنا عشرًا.
والدليل على هذا الجواب من القرآن أنه تعالى بين أن أقوالهم إدراكًا، وأرجحهم عقلًا، وأمثلهم طريقة هو من يقول: إنهم ما لبثوا إلا يومًا واحدًا، وذلك في قوله تعالى: {يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْرًا نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْمًا} [طه: 103-104] فالآية صريحة في اختلاف أقوالهم، وعلى ذلك فلا إشكال والعلم عند الله تعالى.
وقوله تعالى: {فَاسْأَلِ العآدين} أي الحاسبين، الذين يضبطون مدة لبثنا، وقرأ ابن كثير والكسائي بنقل حركة الهمزة إلى السين، وحذف الهمزة. والباقون: {فاسأل} بغير نقل، وقرأ ابن كثير والكسائي: {قل كم لبثتم} بضم القاف وسكون اللام بصيغة الأمر، وقرأ الباقون: {قال كم لبثتم} بفتح القاف بعدها ألف وفتح اللام بصيغة الفعل الماضي.
وقال الزمخشري ما حاصله، إنه على قراءة قال بصيغة الماضي فالفاعل ضمير يعود إلى الله، أو إلى من أمر بسؤالهم من الملائكة، وعلى قراءة قل بصيغة الأمر، فالضمير راجع إلى الملك المأمور بسؤالهم أو بعض رؤساء أهل النار هكذا قال. والله تعالى أعلم. وقد صدقهم الله جل وعلا وفي قلة لبثهم في الدنيا بقوله: {قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلًا لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [المؤمنون: 114] لأن مدة مكثهم في الدنيا قليلة جدًا. بالنسبة إلى طول مدتهم خالدين في النار، والعياذ بالله. وقرأ حمزة والكسائي: {قل إن لبثتم إلا قليلًا} بصيغة الأمر والباقون بصيغة الماضي. اهـ.